شيطنة الشيطان

الملنيل

 

شيطنة الشيطان 

*المقال فيه حرق لتفاصيل أحداث مسلسل دامر*

 

من أيام شفت مسلسل Dahmer الجديد من إنتاج شبكة نتفليكس للممثل الهايل إيفان بيترز والكاتب رايان مورفي. المسلسل بيحكي قصة القاتل المتسلسل وآكل لحوم البشر ومُضاجع الأموات جيفري دامر. نجح المسلسل في وجهة نظري في رسم الشخصيات بشكل أقرب للحقيقة وبالأخص شخصيتي دامر ووالده اللي قدرت أحكم إنهم أقرب للحقيقة لأني شفت أداؤهم بالفعل في اللقاءات التليفزيونية اللي حصلت معاهم، الفيلم كمان قدم مواقع الحوادث بشكل تقريبًا أقرب للحقيقة تمامًا، وبالأخص شقة دامر اللي كانت تقريبًا مماثلة لشقة القاتل الحقيقي بمعظم تفاصيلها اللي شفنا صورها من خلال التحقيقات. طبعًا أداء الممثل إيفان بيترز هايل ومبهر لدرجة مهولة، أعتقد في رأيي إن بيترز هو أفضل ممثل قدم شخصية حقيقية ع الشاشة.. آه أفضل من أحمد زكي في فيلم السادات لول.

 

شفت المسلسل على ثلاث أيام تقريبًا لإنشغالي وقتها بمواعيد شغل وسفر، طبعًا لو كنت فاضية كنت خلصته في يوم واحد كالعادة. دا اللي كنت متخيلاه، لكن من بعد أول حلقتين بدأت أحسن إن صعب أخد منه جرعة أكتر من حلقتين أو تلاتة في القعدة لأنه صعب جدًا نفسيًا. الحوار في نظري كان خفيف وساذج في بعض الأحيان، بالتأكيد كان ممكن يطلع حوار أحسن من كدا بكتير من شخصية ثرية زي دامر حتى لو ملحقناش نسمعه كفاية في الحقيقة ودي نقطة هرجعلها بعد شوية، أداء بيترز والصورة بشكل عام.. ديكور وإضاءة وتصوير وغيره كانوا كافيين وبدون مشاهد مقرفة إنهم يحسسوا بالضغط النفسي والرغبة في القئ وسدة النفس.

كان غريب إن حد زيي يفضل يومين مش قادر ياكل بسبب المسلسل دا! 

وأنا يعني لما بيكون عندي أرق بشغل لقاء مع الزميل إدموند كيمبر وبروح في سابع نومه زي الأطفال من كتر الإحساس بالأمان والطمأنينة.

 

تقريبًا الكل أجمع على إن الحلقة السادسة من أفضل الحلقات إن مكانتش أفضلهم، الحلقة كان شبه منفصلة عن المسلسل، مكانتش عن دامر وتجربته بل كانت عن أحد ضحاياه “توني هيوز” واللي كان إختياره من بين الـ ١٧ ضحية الآخرين في وجهة نظري إختيار جيد، مش تفضيلًا لضحية عن ضحية أكيد ولكن لأن توني كان أصم وعلاقته بأهله كانت ممتازة وكان شاب واعد وعنده أحلام كبيرة تخص حياته وكاريره، لكن حظه العاثر خلاه مواطن أسمر مثلي في أمريكا!

تفاصيل الحلقة كانت مقدمة بصريًا وسمعيًا من وجهة نظر توني برضه، في بعض المشاهد اللي كان توني بيتكلم فيها مع أصدقاؤه الُصم بلغة الإشارة كان الصوت مش موجود تمامًا.. صمت.. زي اسم الحلقة، واستخدموا كل تفاصيل توني المثيرة والكيوت عشان نشوف بشاعة ووحشية دامر أكتر، على أساس إننا مستنين دا يحصل يعني!

الحقيقة وإحقاقًا للحق برضه، الحلقة دي كان واضح فيها تردد دامر وشعوره بالذنب وتراجعه مرة عن قتل توني لكن للأسف هواجس دامر كانت أقوى وأكبر من إنه يمنعها بشكل حقيقي وطبعًا عارفين إيه اللي حصل لتوني بعد كدا.

 

في نهاية تجربة المشاهدة، المسلسل ساب عندي شوية تساؤلات صغيرة حوالين تساؤل كبير:

ليه قررنا نشيطن الشيطان؟ وهل إحنا محتاجين نعمل كدا أصلًا؟!

 

كان واضح لي إن المسلسل قاصد يشيطن دامر أكتر ما إحنا عارفين عنه بأفورة بعض التفاصيل ولوي دراع تفاصيل تانية عشان نقرف منه ونكرهه أكتر.. على أساس علمنا بإنا قتل/ آكل/ ضاجع موتًا ١٧ شخص دا مش كفاية لشيطنته.

والحقيقية تمرير قضايا فشلنا في إصلاحها لحد وقتنا الحالي في قصة زي قصة دامر كان شئ مقزز ومستفز بالنسبة لي. وكأن دامر هو المسؤول عن العنصرية أو الهوموفوبيا، آه مُحتمل بنسبة كبيرة جدًا إنه يكون أستغل تواجدهم لكنه مش مسؤول عن صناعتهم في مجتمع متفسخ في الباطن وفاشل زي أمريكا وقتها ويمكن قبل دامر بعقود.

حشو الشيطنة في المسلسل كان أوفر لدرجة إن أخر حلقة بدأت بقصة قاتل متسلسل تاني “جون واين جايسي” أو “الكلاون بوجو” عشان يعني اللي هو مش كفاية واحد لأ نحمله مصايب غيره كمان بدون التفرقة بين قصة دامر وجايسي.

جايسي كان بيقتل رجالة برضه، وكان نشط في نفس وقت دامر، لكنه قتل أكتر من ٣٣ ضحية وتقريبًا كلهم مواطنين لونهم أبيض! يعني مكنش متساب عشان العنصرية أو الهوموفوبيا اللي بيقال إن دامر استغلهم.

جايسي قدر ينفد بجرايمه بنشاط وفاعلية أكبر من دامر لأن المجتمع عمومًا على الأبيض والأسود والمثلي والغيري كان غافل. طبعًا مش محتاجة أقول إن أكيد الأمور كانت ومازالت بالأحرى وللأسف أكثر سوءًا مع السود والمثليين، لكن مش دا المفروض يكون مبرر لدامر عشان يرتكب جرايم أكتر؟ أكتر من ١٧؟ أكتر من الـ ٣٣ ضحية لـ “جايسي”؟

 

شفت المسلسل وأنا منتظرة أشوف إزاي هيتم معالجة مشاهد آكل لحوم الضحايا، ولكن تم تمرير النقطة المهمة دي في أظن مشهدين مدتهم قصيرة جدًا على الشاشة. 

ماشوفناش دامر بيقتل أي ضحية منهم، ماشوفناش دم مباشر على أجساد الضحايا ولا الكاميرا ركزت على تفاصيل مراحل ما بعد القتل زي ما الكاميرا أخدت وقتها عشان تورينا نص وشه وجمجمته المهشمة بعد ما قتله زميله في السجن. تفصيلة يمكن تكون مفهومة بشكل ما لإحترام أهالي الضحايا.

أكيد مش بقول يا حرام صناع المسلسل جايين على دامر الغلبان! وأكيد مش عايزه يطلعوه نجم محبوب ولا بطل قومي!

أنا بس محتاجة أفهم ليه محتاجين نلوي دراع بعض الحقايق عشان نشيطن اللي أوريدي شيطان!

 

ليه ذكرنا جون واين جايسي بالأخص اللي كان بيقتل رجالة برضه؟ هو دا مش تأكيد ع الهوموفوبيا؟!

علمًا بأن: نتفليكس شالت تاج LGBT+ من المسلسل بعد برضه لما كترت الشكاوي عشان دا يحصل، عشان مش عايزين واجهة غير مشرفة لمجتمع الميم! مهو مجتمع زيه زي أي مجتمع يا جماعة وفيه ناس كويسة وناس لأ.. قررنا نخرجع برا التاج عشان شيطان! قرار مش منطقي وظالم حتى لو على قاتل متسلسل ابن ستين كلب.

 

ليه المسلسل معمول بروح تشفي من جيفري دامر؟ واللي هي -في سياقها- مسموح بيها وطبعًا حق أهالي الضحايا والمجتمع يحسوها وقت القبض عليه ووقت قتله في السجن بالأخص.

 

بس ليه بنجدد عند الناس الإحساس بالتشفي دلوقتي؟ إشمعنى دلوقتي؟ بعد ٣٠ سنة تقريبًا من قتله؟

الحقيقة دا مش تجديد، لأن الفئة المستهدفة مش نفس الجيل اللي كانوا كبار وواعين وقت الحوادث في التسعينات، الفئة المستهدفة هما مواليد التسعينات من الملينيالز وجين زي، ليه بقى عايزين نعمل مسلسل بذريعة التشفي؟

 

ليه وفي نفس وقت نزول المسلسل بنعلن عن الجزء الرابع من مسلسل You اللي بطله قاتل متسلسل معاصر وحبيب الملايين عالميًا!

وفي نفس الوقت بنعلن عن وثائقي جديد عن دامر! طب ما ننزل الوثائقي ونسمعه هو وخلاص!

أنا فعلًا مش بحاول أدافع عنه تمامًا، لو حبيت حتى أدافع هقول إيه أصلًا! أنا بس حقيقي مش فاهمه إيه لازمة اللي حاصل دا دلوقتي؟!

 

ليه أخر حلقتين كان في كلام عن الناس اللي حاولوا يتربحوا من القضية ونتفليكس نفسها بتنتج مسلسل ووثائقي بعد ثلاثين سنة من القضية عشان تتربح برضه ماديًا ويمكن لأهداف تانية الله أعلم.

 

وطبعًا لازم أذكر مفارقة إكتشاف جين زي إن كلمات أغنية Dark horse لكاتي بيري وجويسي جاي فيها اسم جيفري، واستخدام الجيل دا للمقطع المذكور من الأغنية كتير لحد ما بقى تريند على تيك توك وبعدين المجتمع فاق وقام على كاتي بيري عشان ذاكره اسم دامر في أغنيته اللي انتجت في ٢٠١٣ يعني من عشر سنين تقريبًا!

 

في النهاية؛ عايزه بس أسرد كام حقيقة مغايرة للي ذكروا في المسلسل.. يمكن!:

مفيش إثبات إن دامر قتل جاره “دين فون”، ليه المسلسل قدم إيحاء صريح بإنه قتله؟

الناجي الأول من دامر “رون فلاورز”.. اللي صحي لقى نفسه في مستشفى، المسلسل قدمه على إن سبب نجاته هو جدة دامر، اللي شافته مغمى عليه وأصرت تفضل جنبه للصبح وتوصله لمحطة أتوبيس، لكن مفيش أي رواية أو شهادة قالت إن جدته كان لها أي يد في إنقاذه.

فيعني يا جماعة الراجل قتال قتلة وبياكلهم وبيضاجعهم بعد موتهم كمان.. ١٧ واحد بالفعل، ليه عايزين بالعافية نقول إن كان في واحد هيدخل القايمة لكن طرف خارجي اللي منع حدوث دا؟ ليه ميكونش دامر نفسه اللي حس بالذنب وتراجع؟ وهو بالفعل قال دا كتير إنه حصل مع بعض الضحايا التانية ولكن زن الهواجس كان أكبر من إنه يعرف يمنعه!

 

جارته “جليدا” مكانتش ساكنة في الشقة اللي جنبه، كانت ساكنة في العمارة اللي جنبه وعمرها ولا مرة ما اتكلمت معاه بشكل شخصي.

المسلسل قدم ٣ شخصيات لـ ٣ ستات كانوا محيطين بمنطقته السكنية في دور واحد.. في دور “جيلدا” ودا يعني كان ممكن أبلعه واتفهمه لأسباب درامية في وقت تاني لكن مش هعرف أمرره في وسط كل الحشو الغير مبرر دا.

 

برغم كوني قلت في البداية إن المسلسل نقل تفاصيل كتير بصريًا بالظبط زي الحقيقي تقريبًا، إلا إنه أغفل تفصيلة تبدو صغيرة لكنها مهمة، اتكلم عنها دامر في أحد الحوارات اللي اتعملت معاه.

دامر معظم وقت المحاكمات مكنش لابس نضارته لأنه مكنش عايز يشوف أو يواجه أهالي الضحايا.

 

ليه أهالي الضحايا مكنش عندهم علم بتصوير المسلسل ولا بكونهم هيجسدوا شكلًا ونصًا في مشاهد المحاكمة وغيره؟! أكتر من فرد من أهالي الضحايا صرح بإن محدش كلمهم، وإن مشاهدتهم للمسلسل ولمشهد المحاكمة بالذات كان صعب عليهم جدًا يمكن نفس صعوبة وقت المحاكمة من ثلاثين سنة، إعادة تجسيد للتروما صوت وصورة! 

 

تفكيك وتوصيف ومناقشة الخير والشر حوار كبير أو بالأحرى حوارات فلسفية دايرة من سنين، مش عايزه أحمل مقال نقدي لمسلسل الكلام عنها.

الشيطان نفسه شيطان! اسمه شيطان.. معروف وواضح ومكشوف، ومعترف ومحكوم عليه ومقتول، عايزين إيه تاني؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *