ملنيل ع الآخر
منصــــــــــة الكترونيـــــــــة تناقـــــــــش موضوعــــــات جيـــــل الملنــيل بنيــــــلة
قبيلة سمير غانم
كتابة: تامر حميد
رسوم: مصطفى سالم
شريط فيديو قديم عليه مسرحية (أهلًا يا دكتور)، وطفل يعيش في السعودية في الثمانينات، حيث لا تُعرض الكثير من الأفلام والمسرحيات في التلفزيون، طفل مسحور يعيد مشاهدة المسرحية مرارا وتكرارا، أضحك وأبتسم وأستمتع، ولكن دائما ما أنتظر ذلك المشهد الذي يبهرني ويحبس أنفاسي وينقلني لمستوى آخر من الاستمتاع، عندما يعرف الدكتور “نادر” – الذي يقوم بدوره سمير غانم – بوجود مأمور ضرائب في عيادته، فيستقبله متأبطا ذراع إبراهيم نصر أو التمرجي “موس”، ومعه طفلتان ومجموعة من البلالين مرتديا بالطو مهلهلا وممسكا بعصا وقد ارتدى نظارة تظهر عينيه كبيرتين، وعندما يراجع كشف الحسابات يحرك رأسه للأسفل فتتأرجح العينان الملصقتان على النظارة والمثبتتان بـ “سوستة”، منظر أبهرني طفلا، ومازال يبهرني حتى اليوم.
هكذا بدأت علاقتي بسمير غانم، أدركت جيدا منذ البداية أن هذا الرجل ليس ممثلا كغيره، إنه ساحر، نعم، حاوي يمتلئ جرابه بمئات الإكسسوارات التي تجعله صانعا متميزا لنوع من الضحك لم يجاريه فيه أحد حتى اللحظة.
قبل أن أتحدث عن إكسسوارات سمير غانم المدهشة وتعامله الأكثر إدهاشا معها، لابد أن أسجل حقيقة هامة، وهي أنه لا يوجد سمير غانم واحد في حياتنا، هناك سمير غانم الحليق الطويل الأسمر الأقرع، عضو فرقة ثلاثي أضواء المسرح في الستينات، ثم سمير غانم ذي الباروكة والذي مازال حليق الذقن في بداية السبعينات، قبل أن يظهر شاربه بشكل مفاجئ ونهائي في منتصف السبعينات، ثم يتحول سمير غانم الممشوق القوام إلى سمير غانم الممتلئ الجسم مع نهاية التسعينات، إنهم قبيلة كاملة كل أفرادها يسمُّون “سمير غانم”، لكل منهم ما يميزه، يرتدون النظارات ويخلعونها، يختلفون وإن تشابهوا، ولكنهم دائما مضحكون.
في كل مرة أرى سمير غانم (أيا ما كان شكله) يستخدم بعضا من إكسسواراته، أضحك أولا، ثم أفكر في حجم موهبة هذا الرجل، الذي ربما شاهد العشرات من الكوميديانات قبله وبعده هذه القطعة أو تلك من الإكسسوارات، ولكن أحدا لم يفكر مثله في وضع سيناريو لاستخدامها، الـ “كبشة” في تعليقه على مباراة كرة القدم في فيلم (الزواج على الطريقة الحديثة)، دخوله المفاجئ في مسرحية (المتزوجون) وتعامله مع المزمار البلدي الطويل ذي السيجارة في نهايته، استعماله للـ “مشنَّة” بأكثر من طريقة بمسلسل (كابتن جودة)، تدريباته الصباحية بالأدوات الرياضية في ظهوره الأول بمسلسل (حكاية ميزو)، استخدامه المضحك لصندوق البوية في مسرحية (أستاذ مزيكا)، ولا ننسى ملابسه المميزة التي خلدتها أفلامه السينمائية، وخاصة ذلك الجلباب الصعيدي الأحمر في فيلم (السلاحف)، والقائمة تمتد بامتداد عمر سمير غانم الفني منذ بدايته وحتى اليوم.
ينفخ سمير غانم من روحه في قطع الإكسسوار التي يجعلها شريكة له في عملية التمثيل، تصبح حية، وتشاركه ما يفعل غير مكتفية بوجودها الجامد، إكسسوارات خفيفة الظل مثله، ليست الإكسسوارات هي ما يضيف لسمير غانم، بل هو من يمنحها الحياة، حتى باروكته، قطعة الإكسسوار الأشهر، فاجأنا بها في مسلسل (شربات لوز) وقد تحولت للون الرمادي وكأنها كبرت معه في السن.
في إحدى لقاءاتي معه، كان يسجل دورا في مسلسل إذاعي، وكنت أكتب الأغاني وأراجع الحوار، دخلت معه لغرفة التسجيل، دوره كان (عازف ترومبيت)، رأيت المعجزة تحدث أمام عيني، إنه مسلسل إذاعي، ولكن سمير غانم استطاع أن يجعل من “الطرومبيطة” – كما ينطقها – شخصية من شخصيات العمل، كان يفكر في كيفية إقامة حوار مع الطرومبيطة، ومتى تصدر صوتا وكيف يتعامل معه، حتى إنه كان يترك بصوته نغمات ويطلب من مهندس الصوت أن يعطيها لنافخ الترومبيت كي يحولها لصوت مشابه، وكأنه يسجل حوارا بديلا حتى مجيء الممثل صاحب الحوار الأصلي.
هذا جزء أصيل من فلسفة سمير غانم في الإضحاك، سيخلق عالما ممايزا، كل ما فيه يضحك، الشخصية، والحوار، والمواقف، وحتى الجمادات، كل هؤلاء هم أفراد في قبيلة سمير غانم، قبيلة من الضحكات التي لا شبيه لها، ولا نهاية.