ملنيل ع الآخر
منصــــــــــة الكترونيـــــــــة تناقـــــــــش موضوعــــــات جيـــــل الملنــيل بنيــــــلة
البيت بيت أبونا – مراجعة لبرنامج مهرجان ليلة رقص معاصر
الرحلة من أولها كانت ثرية، يمكن أكثر ثراء من حضور العروض نفسها.
مسرح نهاد صليحة في العمرانية بالجيزة، شكرا للمهرجان إنه عرفني على مساحة جديدة، أول مرة أزور المسرح وأعرف إنه موجود كانت لحضور عروض النسخة الأخيرة من مهرجان ليلة رقص معاصر.
طبعا أنا نص ساكنة في فيصل ونص في المعادي، لكني بحب نص فيصل أكتر لأسباب كتير مش مهم نتكلم عنها دلوقتي.. زرت ستوديو عزت عزت اللي في فيصل برضه مرات كتيرة سواء للتدريب أو لوقت شغلنا سوا من كام سنة.
فيعني أنا مش غريبة خالص عن ممارسة الفن في أماكن غير وسط البلد وما حولها، لكن تجربة العمرانية كانت مختلفة شوية، كنت بحاول أحط زوار الايفنتات الشبيهة “جمهور وسط البلد” في التجربة دي معايا، اللي كتير منهم برضه من الهرم وشبرا وإمبابة وخلافه، لكن بلاحظ إن في تحول سيكولوجي ما كدا بيحصل وإنت رايح تزور حدث فني، متوقع مكان معين ومحتوى معين وجمهور بشكل معين وخلافه.
جمهور عروض الرقص المعاصر هو تقريبا أقل جمهور كعدد من كل جمهور باقي أنواع الفنون المعاصرة في مصر..
دايما بقول “إحنا بنعمل عروض عشان نفرجها لبعض!”، عدد نادر جدا منهم قدر يكون جماهيري، وجماهيري دي يعني اتعرض ليلتين تلاتة ورا بعض في مسرح كبير والجمهور كان مالي المسرح.. ومسرح كبير هنا يعني عدد كراسيه ٢٠٠ كرسي أو ٢٥٠ بالكتير جدا جدا.
رجوعا، دخلت المسرح وبالفعل لقيت نفس الجمهور، الفنانين القدام منهم والجداد اللي بيلفوا على عروض بعض. بحكم شغلي في الإدارة الثقافية بجانب الفن فأنا كان ليا فرص كتير للتماس والتداخل مع مشاهد ثقافية مختلفة لأكثر من فن من الفنون المعاصرة بمصر زي الفنون التشكيلية والڤيديو آرت والكاريكاتير والكوميكس والكتابة والموسيقى وغيرهم، فأقدر أقول في رأيي المتواضع إن مناخ الرقص المعاصر في مصر من أكتر المناخات تسمم، على كل الأصعدة!
لكن الحمد لله مازالنا موجودين بضحكات صفراء بنلف على بعض!
المسرح مفتوح والمكان يبدو قديم لكنه كويس.. مش متهالك.. شغال يعني. عملت سكان للبرنامج عشان بحب أقرا عن العروض قبل ما اشوفهم ولو ممكن الحق ابص على شغل الكوريوجرافرز السابق على انستجرام ع السريع يكون هايل أوي.. وقد كان.
البرنامج الرئيسي للمهرجان مكون من ستة عروض، خمس عروض لمصممين رقص أجانب وعرض واحد لمصممة مصرية، ودا كان أول شئ يدعو للتعجب بالنسبة لي.. أصله يعني البيت بيت أبونا!
مين في العالم كله بيعمل كدا؟! مهرجان محلي بالأصل وعالمي بالتبعية، يبقى فيه مصممة واحدة من بلد المهرجان وكإن المصممين المصريين هما اللي ضيوف على الأجانب، ومينفعش لما نسأل يتقالنا “أصل لجنة التحكيم هما اللي إختاروا وإحنا متدخلناش” فين الكوتة يا جماعة.. إنتوا بتكلموا أطفال!
ليلة رقص معاصر معظم الوقت ولأسباب معلومة وغير معلومة جمهوره مش بيقدر يملى أي مسرح أيا كان بيعرض فين، أوقات لما كان بيتعرض في الفلكي كان ممكن يحمس شوية من جمهور الفنون البصرية والمعارض إنهم يحضروا، لكن السنة دي مع مسرح نهاد صليحة دا مكانش متحقق للأسف.
عرض الإفتتاح “برقع الحيا” للمصممة شيرين حجازي وكولكتڤ عوالم خفية ولد عندي سؤال مهم: ليه بنفتح مهرجان رقص معاصر بعرض رقص شرقي؟ الحقيقة مبعرفش أصنف شغل عوالم خفية على إنه رقص شرقي ولا رقص شرقي معاصر، لكن الإختيار دا في رأيي مكانش إختيار مناسب بالمرة كعرض افتتاح لمهرجان رقص معاصر، العرض مهم في رأيي لكن هل محطوط في سياق مناسب له؟.. أنا شايفه إنه متعارض ثقافيا مع السياق الأساسي للمهرجان أو يمكن العكس..
باقي عروض المهرجان بالنسبة لي كانت عروض نص سوى، غير مفهوم هو المصمم قاصد يعمل إيه هنا، على رأي صديق مصمم مخضرم: “أنا حتى مش عارف أفهم يعني هو عايزهم يعملوها سوا وهما اللي معرفوش ولا هي مقصودة تطلع بالشكل العبثي دا”. العروض منهم اللي يشبه مشاريع تخرج الطلبة في مدارس الرقص، ومنهم الفيديو اللي حسيت إنه حتة من الشرق وحتة من الغرب.. لا النصوص ماشيه مع بعض ولا الحركة ولا أماكن التصوير.
كان واضح لي بشكل كبير إن كل مصمم جاي يشتغل على ثقافتنا، ودا كان غريب بالنسبة لي لأكتر من صعيد أولهم التعدي الثقافي، يعني ليه جايبلي مواطنة بيضاء تكلمني عن مشاكل الرجالة المصريين في الشارع!
وعلى ذكر العروض اللي شغالة على ثيمة مصرية، وضح نجم عرض “في يوم وليلة” للمصممة المصرية نيرمين حبيب، وهو عرض قايم على نوستاليجا ثقافية ومجتمعية لبنات جيل التمانينات، كأزياء ومزيكا وحركة ونص ونوع أفيهات، كان أكتر عرض تفاعل معاه الجمهور بالضحك والتسفيق وأحيانا بتكملة الأفيهات، أظنه لو اتعرض في مكان غير مصر مكانش هيحقق نفس التفاعل، لذلك كان مثال جميل لإنه ليه إحنا أدرى وأذكى وأولى بالتعبير عن نفسنا من غيرنا.
كأول إنطباع فكرت في إن العرض في وجهة نظري مش عرض رقص معاصر، و الإنطباع الأولي دا ولد عندي تساؤل: إمتى نقول ع العرض دا عرض رقص معاصر أو دا عرض مسرح جسدي أو دا عرض نصوص أداء حركي؟ ولحد قد إيه المسميات والتصنيفات مهمة في سياق زي دا؟ مهرجان رقص معاصر بيحصل في مصر فيه ستة عروض.. خمسة منهم لمصممين أجانب وعرض واحد لمصممة مصرية.
نيجي لعزيزي المواطن الأبيض اللي بيطل علينا وينعم ويدلو..
هذا المواطن الأبيض قائلا: أنا بجيلك بلدك أنعم عليك بحضوري وفلوسي.. بديك منصة وصوت عشان تتمايل على مزاجي يمين شمال وأهو فرصة ترفع صوتك وتعبر عن هويتك لمدة العرض.
والله راجل يشكر يعني.. إحنا محتاجين دا فعلا..
هذا المواطن الأبيض المتمثل في مصممين الحركة الأجانب في المهرجان كما هو واضح، بنشوفه في عرض المصممة دانيلا ديالرشي “قبل حلول المساء”.. ليه عرض من الرجالة وعن الرجالة في المجتمع المصري بتصممه ست إنجليزية وبنشوفه على صعيد تاني في عرض المصمم سمير مكيرش “تحت رجلينا”.. ليه عرض عن مشاكل الستات في بيوتهم المصرية بيصممه راجل فرنساوي! وإمتى هنتجاوز الموضوعات اللي مليانة قولبة أو ستريوتايبس دي؟
يعني خلاص كلنا عملناها، كلنا اتكلمنا عن الهوية والجندر وجبنا رجالة رقصناهم شرقي وبنات حالقين شعرهم وبيزعقوا.. أنا نفسي وقعت في هذا في عرض سابق وجبت راقص إيطالي رقصته بلدي وشعبي!
طب وبعدين؟
ماذا بعد الخناقة الجندرية البديهية دي؟ الأهم إنها في سياق فني ومجتمعي مختلف وفيها تعدي ثقافي واضح علينا.
ليه بتطلع ساذجة؟ عشان مش إحنا اللي بنعملها، بنجيب خواجة أول مرة يزورنا يعرفنا إزاي نتكلم عنها ودا في رأيي منطقيا غير سليم حدوثه وأدينا بنشوف النتايج.
على صعيد الراقصين؛ لاحظت تواجد لراقصي المشهد السكندري بكثافة، ودا شئ كويس في وجهة نظري، اسكندرية ياما طلعت وبتطلع مشهد رقص هايل ومثير للتأمل بالنسبة لي، لأنه برغم شبه إنعدام الدعم ووجود برنامج وحيد لتعليم الرقص المعاصر واظن مبقاش موجود حاليا إلا إنها مازالت بتطلع راقصين هايلين، رقص معاصر وهيب هوب وفوجينج وفنون شعبية وغيره.
ودا أضاف جمهور جديد للمهرجان السنة دي، شباب صغيرين من المشهد في القاهرة وإسكندرية وأصحاب الشباب السكندريين الهايلين دول.
وصولا لبرنامج المصممين الشباب، وهو برنامج من ثلاث عروض لمصممين مصريين هواة، الحقيقة الثلاث عروض فاقت توقعي.. وأظن كان المفروض دول يكونوا العروض الرسمية للمهرجان أكتر من العروض التانيين، حبيت عروض المصممين أحمد غريب وشيماء فوزي وفي رأيي هما أفضل عرضين في المهرجان بكلا برنامجيه.. عروض حقيقية ومعبرة و”أصيلة وأصلية”.
استغربت لما لقيت المدير الفني للمهرجان بيدي تيبس إضاءة وإخراج لأحد المصممين الهواة بعد عرضه!! ودا اللي خلاني اسأل هل المدير الفني للمهرجان مشافش العروض قبل ما تتعرض؟ وعرفت إنه دا محصلش فعلا!
في النهاية، دايما بكون سعيدة بأي حدث كبير يحصل في مشهد الرقص المعاصر في مصر، وهو مشهد راكد وفيه مشاكل كتير، فيعني شكرا للمنظمين إنه لسه عايزين وقادرين يعملوا حاجة للمشهد، سواء اتفقنا أو اختلفنا على جودة المنتج.