عيط يا روح أمك

الملنيل

 

في طفولتنا بتكون طرق تعبيرنا عن نفسنا محدودة. ضحكة معناها الرضى وبكاء معناه احتياج. وبيكون واجب الأهل هو سد الأحتياج ده سواءً بسبب الحب أو طلباً للراحة من ازعاجنا. مع الاوقت بيثبت عنده الأهل معنى إنه البكاء معناه الاحتياج والاحتياج بيتطلب انه يتدخلوا عشان يسدوه وعدم كفنا عن البكاء معناه استمرار احتياجنا معناه فشلهم في سد الاحتياج ده معناه فشلهم في الرعاية عامة ودي اللي بيكون موقف عدائي بين الأهل والبكاء.

بنكبر شوية وبتبدأ أدواتنا في التعبير عن نفسنا تزداد وتتشعب فبنقدر نعبر عن احتياجنا بكلامنا بقينا نقدر نقول اننا جعانين فنسد احتياجنا للأكل بعد ما كنا بنعبر عن جوعنا بالبكاء. بيفضل الموقف العدائي اللي بين الأهل وبين بكاء طفلهم قائم وبيبدأ ينتقل الموقف ده للطفل كذلك. فتبدأ الأم تزعق لطفلها لما يبكي عشان يكف عن البكاء. سواءً من حب الأهل أو من جهلهم بينتقل لنا موقف عدائي مع دموعنا بشكل عام ولضعف أدواتنا في السن المبكر ده مبنقدرش نفكك الموقف ده، مبنقدرش نعرف أو نسأل ليه غلط اصلا اننا نعيط لإن فكرة السؤال في حد ذاتها متكونتش عندنا. دول أهلنا دول عالمنا دول اللي بيحبونا وبيأكلونا وبيراعونا وهما السبب في بقاء حياتنا فالبتالي أوامرهم هي الصح لإن هما اللي بيعلمونا نعيش ازاي.

بيترسخ الموقف في نفوسنا وبنعادي الحزن في كل صوره. بنلوم أي مظهر للحزن. بنلوم إنسان على حزنه لفقد عزيز، بنلوم إنسان على حزنه من انفصاله عن حد بيحبه، بتلوم إنسان حزين على تركه لعمله، بنلوم إنسان على حزنه على اغترابه بعيد عن بلده وأهله وحبايبه. ومش عارفين ليه! بس بنكره الحزن وبنكره نشوفه في حد بنحبه وبنحاول كل اللي نقدر عليه عشان نرفع عنهم الحزن.

بس ليه؟! ليه مش عايزين نحزن ولا عايزين حبايبنا يحزنوا! احنا بشر وكمال بشريتنا لا يكون إلا بإننا بشر. بشر ضعفاء بشر فقراء بشر مساكين بشر بنحب وبنتألم وبنحزن. الحزن مش مرض، الحزن حالة إنسانية؛ بما إننا بشر بالتالي لازم نحزن فلازم ندي نفسنا مساحة نحزن ولازم ندي حبايبنا مساحة يحزنوا ولازم نتقبل حزنهم ونسمع حزنهم نشوفهم في ضعفهم ونقبلهم فيه بل ونحبهم فيه زي ما بنحبهم في قوتهم. لازم نحسس حبايبنا بالأمان في الحزن والحق في الحزن ومنضغطش عليهم بإنهم يقطعوا حزنهم كأننا ماكينات. إنك تضغط على إنسان حزين لإنه حزين وتطلب منه يبطل حزن ده بيئذيه وبيضره فلو بنحب حد وخايفين عليه وعايزينه يبقى كويس محتاجين نحترم حزنه ونسيبه يحزن لما يحتاج.

الإنسان بطبعه بيرتاح للأمان اللي مش ممكن يكون موجود إلا في وجود القوة وده اللي بيخلي الإنسان مش مرتاح لإنه يستسلم لضعفه ويحس بيه ويسيبه يتملك نفسه إلا إن قوة الإنسان الحقيقية لا تكتمل إلا بقبول الإنسان نفسه وجميع مشاعرها وفهمها اللي بيتطلب ممارستها ومعاشرتها أحياناً لو كان فهمها عسير.

الإنسان كائن معقد وفهمه لن يتوصل إليه إلا بالملاحظة الدقيقة واللي تستحيل لو الأنسان حرم نفسه من حقه في إنه يكون نفسه، في إنه يكون إنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *