ملنيل ع الآخر
منصــــــــــة الكترونيـــــــــة تناقـــــــــش موضوعــــــات جيـــــل الملنــيل بنيــــــلة
عن حلقة “الأباحة” لبلال فضل: محاولة أخرى للتأذين في مالطا
في زمن بقى فيه معظم النقاشات العقلانية تهمة، وكل محاولة للفهم ترفًا ورفاهية مش لينا ولا لايقة علينا، بنشوف حلقة جديدة لبلال فضل على يوتيوب بعنوان “لغة الأدب والفن بين الأباحة والإباحة” عشان يفتح واحد من الملفات التقيلة المسكوت عنها (بالغصب): حدود التعبير في الأدب والفن، والفرق بين الإبداع و”قلة الأدب” كما يسميها خصومه وخصومنا.
بعد المقدمة؛ في ليستة من المسرحيات/ المسلسلات الإذاعية/ البودكاستس/ برامج اليوتيوب بسميها “جوزي الرغاي” وهي ليستة حقيقية عندي على يوتيوب بلجأ لها أول ما بدخل المطبخ أو ببدأ ساعات شغل عارفه إنها هتكون طويلة ومملة. من وقت ما بدأ بلال فضل يعمل حلقات على يوتيوب وهو أصبح بمثابة أحد “أزواجي الرغايين” اللي حديثه مسلي ومفيد وبيساعد في تضيع الوقت وإنجاز المهام المملة.
كمتابعة جيدة؛ تقريبًا مش بفوت حلقة، سمعت.. آه سمعت بما إني شرحت السابق إني بسمع “الرغي” مش بتفرج عليه، سمعت الحلقة.. حسيت بمشاعر مختلطة حبتين.
وانتهت الحلقة وأنا بين إحساس كويس.. إن والله في أمل.. لسه في حد بيحاول يقول!، وإحباط أكبر إن معظم المحاولات دي عادة ما بتقع على آذان صمّاء.
اللافت في الحلقة مش بس جرأة موضوعها لكن كمان عمقها، كما عودنا بلال فضل، اللي بيقدم محتوى موسوعي تقريبًا، بيربط فيه بين ما يحدث حاليًا في الفن والأدب، واللي حصل بالفعل من قرون في سياقات دينية وتاريخية مختلفة. من لحظة البداية، وهو بيرجع لكتب تراثية، لنصوص مقدسة، لأمثلة من الأدب العالمي والمصري، وكل دا مش مجرد استعراض، لكنه محاولة حقيقية لفهم الظاهرة: ليه كلمة واحدة ممكن تعمل أزمة؟ وإزاي طول الوقت في سلطة ما بتحاول تفرض تعريفها الخاص للأخلاق، حتى لو كان دا ضد الإبداع نفسه؟
فبنلاقي نفسنا قصاد أسئلة في منتهى البديهية زي: هل الإبداع محتاج يشرح نفسه في كل مرة؟ وهل الفن لازم يعتذر قبل ما يتكلم؟
لكن زي ما ذكرت، المفارقة المؤلمة، بل والمريرة، إن الحلقة على قد ما هي بتدي أمل في وجود أصوات عاقلة، مثقفة، ومؤمنة بقيمة الكلمة والفن، إلا إن نفس اللحظة اللي بتديك فيها دفعة، بتصحيك على الحقيقة: الناس اللي المفروض يسمعوا الكلام دا، مش هيسمعوه. ولو سمعوه، مش هيخش “الطاسة” بجد وبالتبعية مش هيفهموه، ومش هيقبلوا يفتحوا نافذة للنقاش أصلًا، وهنغرق في شلالات من السباب ورمي التهم والتكفير وخلافه.. وهنا بنرجع لنقطة الصفر.
اللي قاله بلال فضل مش مجرد دفاع عن نص أدبي أو مشهد سينمائي. هو دفاع عن الوعي. دفاع عن الإبداع، عن إمكانية إننا نختلف، ونفكر، ونتكلم من غير خوف. بس للأسف، وسط واقع بيرفض التفكير وبيكافئ الجهل، الحلقة كانت أشبه بدش مياه متلجة في عز برد يناير، دش هيصحيك من وهم التغيير، ويرجعك للواقع البائس من تاني.
في النهاية، يمكن المحاولات للتأذين وأحيانًا “الصراخ” في مالطا مش دايمًا بتهز جدار الصمت، لكنها على الأقل بتقول إن لسه في حد مهتم بالقضية وبيتكلم، يمكن لسه في أمل وأنا اللي غلطانة.. يا رب أبقى فعلًا غلطانة.