أنا اللي بكرا هبقى

الملنيل

سألني صديق/ حبيب مُحتمل في فترة تعارفنا مازحًا: “شايفة نفسك فين بعد ٣ سنين؟” فأجبت: “سؤال صعب جدًا، أنا مش عارفه هكون فين بعد ٣ شهور ولا حتى ٣ أسابيع!”، فرد: “غريبة!.. كنت فاكرك عارفه، شكلك عارفه جدًا ومخططة كل حاجة دايمًا”.

ولو إني شخص بالفعل يبدو عالمًا ويخطط لكل خطوة، لكني أدركت اليوم بعد سؤاله هذا أنني ولا مرة واحدة طوال حياتي خططت لمدة أكثر من سنة. سنويًا، في شهر ميلادي من كل سنة بالتحديد، أبدأ في وضع قائمتين.. قائمة ما أنجزته في تلك السنة وقائمة ما أريد إنجازه السنة القادمة. ودومًا ما أضع القائمتين في مكان لا تطوله يدي عسى أن أنساهما حتى لا أقرؤهم بعد فترة وأشعر بالإحباط تجاه ما لم أنجزه بعد.

 

“في إيديا المزامير وفي قلبي المسامير

الدنيا غربتني وأنا الشاب الأمير”

أنا أخاف الفشل و الوقت. أصبحت على مشارف الثلاثين، وسنة بعد سنة أزداد إرتعادًا من القائمتين. كل سنة تنفيذ المهام يصبح أصعب، الموارد تقل والطاقة تنعدم ولا تستحدث والصحة تخور ومؤخرًا العالم زاد جنونه وصعب توقعه فاصبح يحكم من يحكم بلا مصير معروف.

 

“أنا اللي تايه أنا ويوم عذابي بسنة..

أنا مين..؟!”

نصف أصدقائي بالخارج، لا أعلم متى سأراهم ثانية وفكرة اجتماعنا ولو لمرة واحدة على قهوة أصبحت فكرة استحالتها قاسية مرة.

نصف أصدقائي بالخارج والنصف الآخر بالسجن، لا أعلم متى سيرجع من بالخارج ومتى سيخرج من بالداخل، وأنا في نصف كل هذا، البين بين. ليست لدي أحلام كبيرة/ فرص متاحة للسفر للخارج ولا أريد الهجرة بعيد عن أخي وأمي. في حالة من حالات التوقف والخمول. أشعر دومًا أني أحفر في المياه. إلحاح أصدقائي يجعلني أفكر في السفر عنوة، لكن هل هناك معنى للتحقق بالخارج دون أن أحتفل مع أصدقائي بنجاحي؟! 

أخي يدعمني حين يتذكر وحين تكون لديه طاقة ما استطاع، أمي لا تعبأ.. كنت لها في البداية كمشروع يجب ألا يفشل حتى لا يشمت فيها أبي بعد أن تركنا، يجب أن أتعلم وأكون مثقفة وأمارس أكثر من ثلاث هوايات بالتوازي وأعمل في سن صغير، وحينما كبرت وتحققت بشكل كاف لوقتها وهجرت البيت هجرت هي مشروعها الذي هلكه الوقت والمعايير، مهما أنجزت لن أحصل منها على أي شعور حسن، ولا لحضن دافئ أو كلمة إحسان لطيفة، أما عن أبي.. فلا داع لذكر هذا الموضوع، هذا المقال لا يساع تلك التروما.

 

“حزين من صغر سني..

ومين ع الآه يعينني..

وواخداني الخطاوي لسكة تايهة مني..”

أظن أن جيلنا هو أكثر جيل تردد على عيادات الطب النفسي – حمدًا لله على الوعي بضرورة ذلك- ولم يشف معظمنا مهما تعاقبت عليه الأطباء المختلفة بأساليبهم المتباينة وعلاجاتهم التي تجعلنا روبوتات صامتة.

لي تجاري كثر مع الإنتحار، وأزعم أني لست وحدي.

أحب الحياة ولا أريد أن أموت، وأزعم أني لست وحدي.

أريد أن أجلس تحت الشمس في جنينة مفتوحة استمتع بالهدوء والمشهد الطبيعي بأمان.

أريد أن أتوقف عن التفكير في الأنتحار، هذا الوسواس القهري الذي أهلكني محاربة وأخاف أن يقدر عليَّ عما قريب.

لست وحدي، لست وحدي، كلكم معي..

 

جيل تهشم وجهه بفعل الهزيمة والإحباط وفقد الأمل في كل شئ، يشحذ لحظات النسيان وسط جمع من رفاق النكبة مجتمعين في زقاق نصف آمن.. ملتحمين غارقين في الخيبة والعرق وقطرات البيرة المنسكبة، نغني سويًا بحرقة: “اديتهم كل حاجة وهما استغنوا عني”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *